-A +A
رؤى صبري
ما زالت غرف الطوارئ المكتظة بالحالات دوما، تسرد قصة لم تنتهِ منذ عدة عقود، وهي الحصول على الرعاية الطبية (Access to medical care)، والواقع أن نصف غرف الطوارئ في مستشفياتنا مزدحمة، إما بمرضى يحتاجون لعلاج متخصص كمرضى القلب والأورام، أو غيرها من الحالات الأخرى المستعصية. أما بالنسبة للمستشفيات المتخصصة فهي لا تزال ترزح تحت وطأة الازدحام من قبل مرضى «الحالات الطارئة»، أي أولئك الذين لم يأتوا للمستشفى بمحض إرادتهم، وفي الوقت ذاته لا يمكن رفض استقبالهم بسهولة نظرا لصعوبة حالاتهم.
وعند تدقيق النظر في هذا الأمر من الناحية الصحية نجد أن تلك مصيبة، إذ من المفترض أنه حينما يتم تشخيص مريض بسرطان القولون ــ على سبيل المثال وليس الحصر ــ فمن الواجب عندئذ تحويله بسرعة قصوى إلى مركز متخصص، خصوصا للمرضى الذين يعيشون خارج نطاق المدن الكبيرة كالمناطق الحدودية، فليس من المنطق أن يظل المريض على قائمة انتظار تصل لمدة أسابيـع وربما أشهر، حتى تتدهور حالته من المرحلة الأولى إلى الثانية، وكما نعرف أن الوقت عامل حرج في كثير من الحالات المرضية.

أما الطامة الكبرى، فهي أن كثيرا من الناس لا يعرفون إلى أين يلجأون في حال الإصابة بمرض يحتاج لعلاج متخصص، ومن هنا تجد عائلة المريض نفسها تتأرجح بين مستشفى وآخر، من أجل الحصول على أي معلومة عن مراكز متخصصة لعلاج حالته، وبالطبع كثيرون يضطرون للعلاج الخاص باهظ التكاليف، خصوصا أن معظم المواطنين لا يملكون تأمينا صحيا.
وهنا يجدر بنا ذكر أن الوصول للرعاية الصحية يعتبر أحد أهم المعايـير العالمية التي تعتمد المستشفيات على أساسها كما وردت في موقع اللجنة الدولية المشتركة (Joint Commission International)، والتي تعتبر من أهم المنظمات التي تعنى بسلامة وجودة الرعاية المقدمة للمرضى في المجتمـع الدولي، وبمستوى الجودة التي تقدم للمرضى، كما تعتبر المستشفيات الحاصلة على شهاداتها مؤهلة لتقديم الرعاية السريـريـة بمعايـير عالمية.
والحقيقة التي يجب أن ندركها جميعا هي أن الثغرات التي نواجهها في نظامنا الصحي يمكننا التغلب عليها بمزيد من التخطيط والإرادة في التنفيذ لأننا لسنا وحدنا من واجهنا أو نواجه مشكلات في النظام الصحي، فلو أخذنا كوبـا ــ على سبيل المثال ــ وهي دولة شهدت مرحلة ما بعد التغيير في الستينيات تدهورا شاملا من حيث الأمراض ومعدلات وفيات الرضـع، حيث غادر البلاد نصف عدد أطبائها البالـغ عددهم آنذاك 6000، ثم عادت إلى حالتها في الثمانينات، حيث أصبحت الرعاية الصحية ذات أولوية في خططها فضلا عن أنها عانت من نقص شديد في المواد الطبية، أما اليوم وعلى الرغم من تدني أجور الأطباء، إلا أن هذا البلد ــ وفقا للأمم المتحدة ــ يصل فيه متوسط العمر المتوقـع إلى 78.3 سنة (76.2 للذكور و80.4 للإناث). هذا يضعها في المرتبة الـ 37 عالميا والثالثة في الأمريكتين بعد كندا وتشيلي، وقبل الولايات المتحدة مباشرة. معدل وفيات الرضع انخفض من 32 حالة وفاة لكل 1000 مولود في عام 1957، إلى 10 حالات وفاة في 1990 ــ 1995، بينما وصل المعدل في الفترة 2000 ــ 2005 إلى 6.1 لكل 1,000 حالة ولادة (مقابل 6.8 في الولايات المتحدة).
انتصرت كوبـا على أزمتها، وسوف نغلق نحن الثغرات في نظامنا الصحي يوما ما، وستكون تجربتنا درسا آخر للعالم.